الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ، وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَدُومُ أَيَّامًا اُنْتُظِرَ، وَقِيلَ لِلْأَبْعَدِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي مَوَانِعِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ (لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ) قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مُبَعَّضٍ لِنَقْصِهِ فَأَمَةُ الْمُبَعَّضِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا إذْنِ مَالِكِ بَعْضِهِ لَا يَجُوزُ، وَبَابُ التَّزْوِيجِ مُنْسَدٌّ عَلَيْهِ لِرِقِّهِ، وَلَوْ جَازَ التَّزْوِيجُ بِإِذْنِهِ لِكَوْنِهَا لِمَنْ يَمْلِكُ بَعْضَهُ لَجَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ زَوَّجَهَا بِهِ. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ نَفْيُهُ الْوِلَايَةَ جَوَازَ كَوْنِ الرَّقِيقِ وَكِيلًا، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ (وَ) لَا (صَبِيٍّ) لِسَلْبِ وِلَايَتِهِ (وَ) لَا (مَجْنُونٍ) فِي حَالَةِ جُنُونِهِ الْمُطْبِقِ، وَكَذَا إنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْوِلَايَةَ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ، وَتَغْلِيبًا لِزَمَنِ الْجُنُونِ فِي الْمُتَقَطِّعِ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ فِي زَمَنِ جُنُونِ الْأَقْرَبِ دُونَ إفَاقَتِهِ، وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَبَقِيَ آثَارُ الْخَبَلِ كَحِدَّةِ خُلُقٍ لَمْ تُعَدْ وِلَايَتُهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَعَلَّهُ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ جِدًّا فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، أَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْجُنُونِ كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ لَمْ تُنْقَلْ الْوِلَايَةُ، بَلْ يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ كَالْإِغْمَاءِ (وَ) لَا (مُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ) وَهُوَ كِبَرُ السِّنِّ (أَوْ خَبَلٍ) بِتَحْرِيكِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِهَا، وَهُوَ فَسَادٌ فِي الْعَقْلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ بِالْإِسْكَانِ مَصْدَرٌ، وَلَا فَرْقَ فِي الْخَبَلِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ لِعَجْزِهِ عَنْ اخْتِيَارِ الْأَكْفَاءِ، وَفِي مَعْنَاهُ: مَنْ شَغَلَتْهُ الْأَسْقَامُ وَالْآلَامُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: سُكُونُ الْأَلَمِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ إفَاقَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَإِذَا اُنْتُظِرَتْ الْإِفَاقَةُ فِي الْإِغْمَاءِ وَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ السُّكُونُ هُنَا، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْتِظَارِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ كَمَا فِي صُورَةِ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بَاقِيَةٌ وَشِدَّةُ الْأَلَمِ الْمَانِعَةُ مِنْ النَّظَرِ كَالْغَيْبَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَهُ أَمَدٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَجُعِلَ مُرَادًا، بِخِلَافِ سُكُونِ الْأَلَمِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ زَوَالُهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى صُورَةِ الْغَيْبَةِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى التَّزْوِيجِ مَعَهَا، وَلَا كَذَلِكَ مَعَ دَوَامِ الْأَلَمِ الْمَذْكُورِ (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَوْ بَذَّرَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لَا وِلَايَةَ لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: يَلِي؛ لِأَنَّهُ كَامِلُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ وِلَايَتُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالزَّوَالِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَتَوْكِيلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فِي النِّكَاحِ كَتَوْكِيلِ الرَّقِيقِ فَيَصِحُّ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ، وَخَرَجَ بِالسَّفَهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يَلِي لِكَمَالِ نَظَرِهِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ (وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ) الْمَانِعَةِ لِلْوِلَايَةِ (فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ) لِخُرُوجِ الْأَقْرَبِ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَأَشْبَهَ الْمَعْدُومَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ شَخْصٌ أَمَةً وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ وَأَخٍ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا فِي الْوَلَاءِ لِلْحَاكِمِ. فَقَدْ نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ عَادَتْ الْوِلَايَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظَةُ مَتَى، وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هَذَا عَنْ ذِكْرِهِ الْفِسْقَ وَاخْتِلَافَ الدِّينِ لِيَعُودَ إلَيْهِمَا أَيْضًا، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ فِيهِمَا إلَى الْأَبْعَدِ، وَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ فَادَّعَى الْأَقْرَبُ أَنَّهُ زَوَّجَ بَعْدَ تَأَهُّلِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمَا، وَالرُّجُوعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ غَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ فِيمَا لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَأَهُّلِ الْأَقْرَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْهُ (وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا) كَالْحَاصِلِ بِهَيَجَانِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ (اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ) قَطْعًا كَالنَّائِمِ (وَإِنْ كَانَ يَدُومُ) يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ (أَيَّامًا اُنْتُظِرَ) أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبُ الزَّوَالِ كَالنَّوْمِ (وَقِيلَ) لَا تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ (لِلْأَبْعَدِ) كَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ بِلَا تَعَدٍّ فِي مَعْنَى الْإِغْمَاءِ، فَإِنْ دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ فِي زَمَنِ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُزَوِّجُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُزَوِّجُهَا.
المتن: وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى) فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ (فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَحْثِ وَالسَّمَاعِ، وَالثَّانِي: يَقْدَحُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الصِّغَرَ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ شَهَادَتَهُ إنَّمَا رُدَّتْ لِتَعَذُّرِ التَّحَمُّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ فِيمَا تَحَمَّلَ قَبْلَ الْعَمَى إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهَا، وَيَجِيءُ خِلَافُ الْأَعْمَى فِي الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمِ لِغَيْرِهِ مُرَادَهُ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُونَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إنْ كَانَ كَاتِبًا تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ فَيُوَكِّلُ بِهَا مَنْ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ أَوْ يُزَوِّجُهُ، وَهَذَا مُرَادُ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَأَسْقَطَهَا ابْنُ الْمُقْرِي نَظَرًا إلَى تَزْوِيجِهِ لَا إلَى وِلَايَتِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ.
المتن: وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ) غَيْرَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُجْبِرًا كَانَ أَوْ لَا، فُسِّقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ لَا، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَوْ لَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ لِحَدِيثِ: {لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ} رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ. وَنَقَلَ ابْنُ دَاوُد عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ فِي الْحَدِيثِ الْعَدْلُ، وَلِأَنَّهُ نَقْصٌ يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ فَيَمْنَعُ الْوِلَايَةَ كَالرِّقِّ، وَلَا يُرَدُّ سَيِّدُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ طَرِيقَةً، أَشْهَرُهَا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَلِي، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَاتٌ؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ التَّزْوِيجِ فِي عَصْرِ الْأَوَّلِينَ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبْعِيَّ أَقْوَى مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وُلِّيَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَلَا سَبِيلَ إلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ، إذْ الْفِسْقُ قَدْ عَمَّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالنَّصِّ وَالْحَدِيثِ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الْحَاكِمِ الْمَرْضِيِّ الْعَالِمِ الْأَهْلِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْجَهَلَةِ وَالْفُسَّاقِ فَكَالْعَدِمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْوَدِيعَةِ وَفِي غَيْرِهَا. ا هـ. وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ، وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ. أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، فَعَلَيْهِ إنَّمَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهُ كَبَنَاتِ غَيْرِهِ، وَيُزَوِّجُ الْفَاسِقُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَضُرَّ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِسْقُ يَتَحَقَّقُ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا لِأَنَّ بَيْنهمَا وَاسِطَةً، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى، وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْمَلَكَةُ لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي، وَأَثْبَتَ غَيْرُهُمَا فِيهِ خِلَافًا، وَأَصْحَابُ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يَلُونَ كَمَا رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ انْقَطَعَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَةِ وَجْهَيْنِ، وَحَيْثُ مَنَعْنَا وِلَايَةَ الْفَاسِقِ، فَقَالَ الْبَغَوِيّ: إذَا تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ نَحْوَهُ فِي الْعَضْلِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وَلِيِّ النِّكَاحِ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرِ فِيهَا الْعَدَالَةُ الْمُتَقَدِّمُ تَعْرِيفُهَا، وَالِاسْتِبْرَاءُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ بِالتَّزْوِيجِ فِي الْعَضْلِ زَالَ مَا لِأَجْلِهِ عَصَى وَفُسِّقَ قَطْعًا وَبِتَوْبَتِهِ عَنْ فِسْقٍ آخَرَ صَارَ مَسْتُورَ الْعَدَالَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: لَا يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ.
المتن: وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ.
الشَّرْحُ: (وَيَلِي) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ (الْكَافِرُ) الْأَصْلِيُّ (الْكَافِرَةَ) الْأَصْلِيَّةَ وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا، فَيُزَوِّجُ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً، وَالنَّصْرَانِيُّ يَهُودِيَّةً كَالْإِرْثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى ذِمِّيَّةٍ وَبِالْعَكْسِ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسِّقِ فِي دِينِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْكَافِرَةِ كَالْفَاسِقِ عِنْدَنَا فَلَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَيُزَوِّجُهَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ وِلَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحْضُ وِلَايَةٍ عَلَى الْغَيْرِ، فَلَا يُؤَهَّلُ لَهَا الْكَافِرُ وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ كَمَا يُرَاعِي حَظَّ مُوَلِّيَتِهِ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ أَيْضًا فِي تَحْصِينِهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ، وَصُورَةُ وِلَايَةِ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ يَهُودِيَّةً فَيَجِيءُ لَهُ مِنْهَا بِنْتٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خُيِّرَتْ بَيْنَ دَيْنِ أَبِيهَا وَبَيْنَ دَيْنِ أُمِّهَا فَتَخْتَارُ دَيْنَ أُمِّهَا. تَنْبِيهٌ: : ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْكَافِرَةِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ وَإِنْ صَدَرَ مِنْ قَاضِيهِمْ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَلِي مُطْلَقًا لَا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَا مُرْتَدَّةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِمِلْكٍ كَمَا لَا يَتَزَوَّجُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي مُسْلِمَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ كَافِرٍ، وَلَا مُسْلِمٌ كَافِرَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا. نَعَمْ لِوَلِيِّ السَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ كَالسَّيِّدِ الْآتِي بَيَانُ حُكْمِهِ، وَلِلْقَاضِي تَزْوِيجُ الْكَافِرَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَلِلْمُسْلِمِ تَوْكِيلُ نَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فِي قَبُولِ نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ نِكَاحَهَا لِأَنْفُسِهِمَا لَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُمَا نِكَاحُهَا بِحَالٍ بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِمَا فِي طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا طَلَاقُهَا. وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِإِسْلَامِهَا وَلَا طَلَاقَ، وَلِلنَّصْرَانِيِّ وَنَحْوِهِ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ فِي نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ لَا فِي نِكَاحِ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا بِحَالٍ، وَلِلْمُعْسِرِ تَوْكِيلُ الْمُوسِرِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْمُوسِرَ مِنْ أَهْلِ نِكَاحِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الْحَالِ لِمَعْنًى فِيهِ فَهُوَ كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَكَّلَهُ رَجُلٌ لِيَقْبَلَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ قَدْ مَرَّ أَكْثَرُهَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ.
المتن: وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ الزَّوْجَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ، وَلَا يَنْقُلُ الْوِلَايَةَ فِي الْأَصَحِّ، فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ، لَا الْأَبْعَدُ.
الشَّرْحُ: (وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) مَنْ وُلِّيَ وَلَوْ حَاكِمًا أَوْ زَوْجٌ أَوْ وَكِيلٌ عَنْ أَحَدِهِمَا (أَوْ الزَّوْجَةِ) بِنُسُكٍ وَلَوْ فَاسِدًا (يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ) لِحَدِيثِ: {الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْكَافُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومَةً فِي الثَّانِي (وَلَا يَنْقُلُ) الْإِحْرَامُ (الْوِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ كَمَا يَمْنَعُهُ إحْرَامُ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) يَرْجِعُ لِنَقْلِ الْوِلَايَةِ فَقَطْ، وَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا (فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ لَا الْأَبْعَدُ) لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِحْرَامِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ مَعَ بَقَاءِ الْوِلَايَةِ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ، وَالثَّانِي يَنْقُلُ لِلْأَبْعَدِ كَالْجُنُونِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ. تَنْبِيهٌ: : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ طُولِهَا وَقِصَرِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي طَوِيلِهَا كَمَا فِي الْغَيْبَةِ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْحَلَالِ فِي النِّكَاحِ وَلَا إذْنُ الْمُحْرِمَةِ لِعَبْدِهَا فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كُلَّ مُحْرِمٍ حَتَّى الْإِمَامَ وَالْقَاضِيَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ أَنْ يَصِحَّ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ تُزَفَّ إلَى الْمُحْرِمِ زَوْجَتُهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَأَنْ تُزَفَّ الْمُحْرِمَةُ إلَى زَوْجِهَا الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ، وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ كَالْإِمْسَاكِ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ: أَوْ الزَّوْجَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ الْحَلَالِ، أَوْ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الْحَلَالِ فَعَقَدَ عَلَى ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ جَبْرًا حَيْثُ نَوَاهُ، أَوْ بِإِذْنٍ سَابِقٍ لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
المتن: قُلْت: وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (قُلْت) أَخَذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ) بَعْدَ تَوْكِيلِهِ فِي التَّزْوِيجِ (فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ فَفَرْعُهُ أَوْلَى، وَأَيْضًا الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ، فَكَأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْمُوَكِّلُ، وَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِإِحْرَامِ مُوَكِّلِهِ فَيَعْقِدُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَلَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ وَاخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ هَلْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، وَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي تَزْوِيجِهِ، أَوْ أَذِنَتْ مُحْرِمَةٌ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا صَحَّ، سَوَاءٌ أَقَالَ وَكِّلْ لِتُزَوَّجَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَمْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ، وَإِنْ شَرَطَ صُدُورَ الْعَقْدِ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَلَا الْإِذْنُ، وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حَلَالًا فِي التَّزْوِيجِ صَحَّ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ وَكِّلْ عَنْ نَفْسِك فَإِنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرُوا مِثْلَهُ فِيمَا إذَا وَكَّلَ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةَ لِتُوَكِّلَ عَنْ نَفْسِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ. ا هـ. لَكِنَّ كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ مُطْلَقٌ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ التَّزْوِيجَ بِحَالِ الْإِحْرَامِ فَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِحَالِ الْإِحْرَامِ فَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُحْرِمُ لِلْحَلَالِ زَوِّجْنِي حَالَ إحْرَامِي فَلَمْ يَتَحَرَّرْ بَيْنَهُمَا مَحَلُّ النِّزَاعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَنِكَاحُهُ، بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ لَوْ تَزَوَّجَ نَاسِيًا لِلْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَعِبَارَةَ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ.
المتن: وَلَوْ غَابَ الْأَقْرَبُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ، وَدُونَهُمَا لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَحْتَاطُ الْوَكِيلُ فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ إنْ قَالَتْ لَهُ وَكِّلْ وَكَّلَ، وَإِنْ نَهَتْهُ فَلَا، وَإِنْ قَالَتْ زَوِّجْنِي فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَكَّلَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ، وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا، فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَابَ) الْوَلِيُّ (الْأَقْرَبُ) نَسَبًا أَوْ وَلَاءً (إلَى مَرْحَلَتَيْنِ) وَلَا وَكِيلَ لَهُ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ، أَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (زَوَّجَ السُّلْطَانُ) أَيْ سُلْطَانُ بَلَدِهَا أَوْ نَائِبُهُ لَا سُلْطَانُ غَيْرِ بَلَدِهَا وَلَا الْأَبْعَدُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ وَلِيٌّ وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ كَالْجُنُونِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَالْأَوْلَى: لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ أَوْ يَسْتَأْذِنَهُ فَيُزَوِّجَ الْقَاضِي لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ (وَدُونَهُمَا) أَيْ الْمَرْحَلَتَيْنِ (لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ فَيُرَاجَعُ فَيَحْضُرُ أَوْ يُوَكِّلُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا. وَالثَّانِي: يُزَوِّجُ لِئَلَّا تَتَضَرَّرَ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ كَالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ جَازَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ فِي سِجْنِ السُّلْطَانِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ، وَيُزَوِّجُ الْقَاضِي أَيْضًا عَنْ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ، لِتَعَذُّرِ نِكَاحِهَا مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا عَضَلَ، هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ وَإِلَّا زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ، وَلِلْقَاضِي التَّعْوِيلُ عَلَى دَعْوَاهَا غَيْبَةَ وَلِيِّهَا، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا شَهَادَةُ مُطَّلِعٍ عَلَى بَاطِنِ أَحْوَالِهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ اسْتِحْبَابَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَلَحَّتْ فِي الْمُطَالَبَةِ وَرَأَى الْقَاضِي التَّأْخِيرَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا لَهُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلْأَنْكِحَةِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا أَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ لِلْغَائِبِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُزَوِّجْهَا فِي الْغَيْبَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْيَمِينِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِدَعْوَى هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ؟ وَجْهَانِ وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ وَلِيِّهِ ثُمَّ قَدِمَ وَقَالَ: كُنْتُ زَوَّجْتُهَا فِي الْغَيْبَةِ قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ، وَيُفَارَقُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْغَائِبِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَقَدِمَ وَادَّعَى بَيْعَهُ حَيْثُ يُقَدَّمُ بَيْعُ الْمَالِكِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِي النِّكَاحِ كَوَلِيٍّ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى سَبْقَهُ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُوَكِّلُ سَبْقَهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَلِيُّ بَيِّنَةً بِسَبْقِهِ قَدَّمَ نِكَاحَهُ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةَ التَّفْصِيلِ فِي الْوَلِيَّيْنِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا (وَلِلْمُجْبِرِ) لِمُوَلِّيَتِهِ (التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ) مِنْهَا (بِغَيْرِ إذْنِهَا) كَمَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهَا وَيَكْفِي سُكُوتُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي جَوَازِ تَوْكِيلِ الْمُجْبِرِ (تَعْيِينُ الزَّوْجِ) لِلْوَكِيلِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْيِينَ فِي التَّوْكِيلِ فَيَمْلِكُ الْإِطْلَاقَ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ شَفَقَةٌ تَدْعُوهُ إلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ شَفَقَةَ الْوَلِيِّ تَدْعُوهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِنَظَرِهِ وَاخْتِيَارِهِ (وَيَحْتَاطُ) حَتْمًا (الْوَكِيلُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِالْكُفْءِ، وَلَا كُفْءَ مَعَ طَلَبِ أَكْفَأَ مِنْهُ، فَإِنْ زَوَّجَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ (وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا (إنْ قَالَتْ لَهُ: وَكِّلْ وَكَّلَ) يَتَنَاوَلُ كَلَامُهُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: الْأُولَى: قَالَتْ لَهُ: زَوِّجْ وَوَكِّلْ فَلَهُ الْأَمْرَانِ جَزْمًا. الثَّانِيَةُ: قَالَتْ لَهُ: وَكِّلْ وَسَكَتَتْ عَنْ التَّزْوِيجِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ جَزْمًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: أَذِنَتْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ وَنَهَتْهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِنَفْسِهِ، ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْإِذْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْإِذْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ الْوَلِيَّ وَرَدَّتْ التَّزْوِيجَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فَأَشْبَهَ التَّفْوِيضَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً (وَإِنْ) أَذِنَتْ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ، وَ (نَهَتْهُ) عَنْ التَّوْكِيلِ (فَلَا) يُوَكِّلُ، وَنَفَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ عَمَلًا بِإِذْنِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَوَّجُ بِالْإِذْنِ وَلَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِ الْوَكِيلِ بَلْ نَهَتْ عَنْهُ (وَإِنْ قَالَتْ) لَهُ (زَوِّجْنِي) سَاكِتَةً عَنْ التَّوْكِيلِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ (فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ مُتَصَرِّفٌ بِالْوِلَايَةِ فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّ وَالْقَيِّمَ وَهُمَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ إذْنٍ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ وَهُوَ وِلَايَتُهُ أَصْلِيَّةٌ بِالشَّرْعِ، وَإِذْنُهَا فِي التَّزْوِيجِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقَدْ حَصَلَ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ فَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ كَالْوَكِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ لِلْوَكِيلِ، فَإِنْ عَيَّنَتْ فِي إذْنِهَا لِلْوَلِيِّ شَخْصًا وَجَبَ تَعْيِينُهُ لِلْوَكِيلِ فِي التَّوْكِيلِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمُعَيَّنِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ التَّفْوِيضَ الْمُطْلَقَ مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مُعَيَّنٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الطِّفْلِ لِلْوَكِيلِ بِعْ مَالَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِفَسَادِ صِيغَةِ التَّفْوِيضِ (وَلَوْ وَكَّلَ) غَيْرُ الْمُجْبِرِ (قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ) التَّوْكِيلُ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَلِي تَزْوِيجَهَا بِشَرْطِ الْإِذْنِ فَلَهُ تَفْوِيضُ مَالِهِ لِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ إذْنِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِئْذَانَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَوْ أَذِنَتْ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَوَكَّلَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةُ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْفُضُولِيُّ وَكَانَ وَكِيلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ سِوَى الْحَاكِمِ وَأَمَرَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا قَبْلَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا صَحَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِنَابَةَ الْحَاكِمِ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةٍ تَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِخْلَافِ، وَلَوْ قَالَتْ لِلْقَاضِي: أَذِنْت لِأَخِي أَنْ يَزَوَّجَنِي، فَإِنْ عَضَلَ فَزَوِّجْنِي هَلْ يَصِحُّ الْإِذْنُ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْبُطْلَانُ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُجْبِرُ رَجُلًا ثُمَّ زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ قَبْلَ التَّزْوِيجِ هَلْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَوْ لَا؟ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنٍ، الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي النِّكَاحِ: تَزَوَّجْ لِي فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَكَانَ فُلَانٌ وَلِيَّهَا لِفِسْقِ أَبِيهَا ثُمَّ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ، أَوْ قَالَ لَهُ زَوِّجْنِيهَا مِنْ أَبِيهَا فَمَاتَ الْأَبُ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ مَثَلًا هَلْ لِلْوَكِيلِ تَزْوِيجُهَا مِمَّنْ صَارَ وَلِيًّا؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَنْعُ (وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ) لِلزَّوْجِ (زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ) أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا فَيُقْبَلُ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِنْتَ فُلَانٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى اسْمِ الْأَبِ، وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَتْ مُمَيَّزَةً بِذِكْرِ الْأَبِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ صِفَتَهَا وَيَرْفَعَ نَسَبَهَا إلَى أَنْ يَنْتَفِيَ الِاشْتِرَاكُ كَمَا يُؤْخَذْ مِنْ كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ (وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا) أَيْ مُوَكِّلَهُ (فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ) فَإِنْ تَرَكَ لَفْظَةَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَحَلُّ الِاكْتِفَاءُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ وَالزَّوْجُ الْوَكَالَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ إذَا عَلِمَهَا الشُّهُودُ وَالْوَلِيُّ وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى التَّصْرِيحِ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: : قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فَيَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ كَقَوْلِ وَكِيلِ الزَّوْجِ: قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْكَ لِفُلَانٍ فَيَقُولُ الْوَلِيُّ زَوَّجْتُهَا لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْجَوَازُ وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. . فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَقَالَ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لِمُوَكِّلِي لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ، فَإِنْ قَالَ: قَبِلْت نِكَاحَهَا وَسَكَتَ انْعَقَدَ لَهُ، وَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ هُنَا بِمَثَابَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلَ لِلْمُوَكِّلِ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ عَلَى الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ، وَإِنْكَارُ الْمُوَكِّلِ فِي نِكَاحِهِ لِلْوَكَالَةِ يُبْطِلُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِوُقُوعِهِ لِلْوَكِيلِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ: زَوَّجْت فُلَانَةَ فُلَانًا، فَيَقُولُ وَكِيلُ الزَّوْجِ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ وَلَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ: قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْك لِفُلَانٍ. فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ: زَوَّجْتُهَا فُلَانًا صَحَّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ اقْتَصَرَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ عَلَى قَوْلِهِ: زَوَّجْتهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْقَبُولِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِابْنِهِ بِالْوِلَايَةِ فَلْيَقُلْ لَهُ الْوَلِيُّ: زَوَّجْت فُلَانَةَ بِابْنِك، فَيَقُولُ الْأَبُ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لِابْنِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْكِيلِ بِقَبُولِ النِّكَاحِ أَوْ إيجَابِهِ ذِكْرُ الْمَهْرِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّوْجُ فَيَعْقِدُ لَهُ وَكِيلُهُ عَلَى مَنْ يُكَافِئُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَا دُونَهُ، فَإِنْ عَقَدَ بِمَا فَوْقَهُ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرِهِ فِي الْخُلْعِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ جَزْمِهِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ عَقَدَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ بِدُونِ مَا قَدَّرَ لَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ عَقَدَ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِأَكْثَرِ مِمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الزَّوْجُ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْجَزْمِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ: زَوِّجْهَا بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ بِالْمَهْرِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ لَمْ يَنْعَقِدْ تَزْوِيجُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْهَا بِكَذَا وَخُذْ بِهِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا فَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَيْعِ فِيهِمَا. وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَرْأَةَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ لَمْ يَصِفْهُ بَلْ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ عَامٌّ، وَمَا ذَكَرَ مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى فَرْدٍ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ لِمَا فِي إلْزَامِ الزَّوْجِ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا كَذَلِكَ هِيَ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِعَبْدِك هَذَا مَثَلًا فَفَعَلَ صَحَّ وَمَلَكَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ قَرْضٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا.
المتن: وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ، لَا صَغِيرَةٍ وَصَغِيرٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ) وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ بِنَصْبِ الْمُجْبِرِ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا (تَزْوِيجُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ (مَجْنُونَةٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهَا (بَالِغَةٍ) مُحْتَاجَةٍ وَلَوْ ثَيِّبًا لِاكْتِسَابِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، وَرُبَّمَا كَانَ جُنُونُهَا لِشِدَّةِ الشَّبَقِ (وَمَجْنُونٍ) بَالِغٍ أَطْبَقَ جُنُونُهُ وَ (ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ) لِلنِّكَاحِ بِظُهُورِ رَغْبَتِهِ فِيهِ، إمَّا بِدَوَرَانِهِ حَوْلَ النِّسَاءِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ أَوْ بِتَوَقُّعِ شِفَائِهِ بِالْوَطْءِ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا لَمْ يُزَوِّجْهُمَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْبِكْرِ وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ يُزَوَّجَانِ بِكِبَرٍ لِحَاجَةٍ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَهَا يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَتَزْوِيجَهُ يُغْرِمُهُ إيَّاهُمَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ إذْ وُجُودُ الْحَاجَةِ كَافٍ فِيهِمَا، وَلِذَا عَبَّرَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ بِمَا قُلْتُهُ، وَاعْتَذَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْبُلُوغَ مَظِنَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمَجْنُونَ بِالْبُلُوغِ لِدَلَالَةِ الْحَاجَةِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالِاحْتِبَاكِ وَهُوَ أَنْ يُحْذَفْ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ مَا أُثْبِتَ آخِرَهُ وَعَكْسُهُ فَحَذَفَ ظُهُورَ الْحَاجَةِ فِي الْمَجْنُونَةِ وَأَثْبَتَ الْبُلُوغَ فِيهَا وَحَذَفَ الْبُلُوغَ فِي الْمَجْنُونِ وَذَكَرَ الْحَاجَةَ فِيهِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَيْ مُؤْمِنَةٌ، {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} أَيْ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ وَجَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ لَهُ وَهَذَا فِي لُزُومِهِ وَلَوْ احْتَاجَ مَجْنُونٌ إلَى مَنْ يَخْدِمَهُ وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَقُومُ بِخِدْمَتِهِ، وَمُؤَنُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ شِرَاءِ أَمَةٍ وَمُؤْنَتِهَا فَإِنَّهُ يُزَوَّجُ نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: الزَّوْجَةُ لَا يَلْزَمُهَا خِدْمَةُ زَوْجِهَا وَإِنْ وَعَدَتْ رُبَّمَا لَا تَفِي. أُجِيبَ بِأَنَّ طَبْعَهَا يَدْعُوهَا إلَى خِدْمَتِهِ وَالْوَازِعُ الطَّبَعِيُّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَ (لَا) يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ (صَغِيرَةٍ وَ) لَا (صَغِيرٍ) سَوَاءٌ أَكَانَا عَاقِلَيْنِ أَمْ مَجْنُونَيْنِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فِي الْحَالِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الثَّيِّبَ الْعَاقِلَةَ لَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ كَمَا مَرَّ.
المتن: وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ وَغَيْرَهُ إنْ تَعَيَّنَ إجَابَةُ مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَإِخْوَةٍ فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ (وَغَيْرُهُ إنْ تَعَيَّنَ) كَأَخٍ وَاحِدٍ أَوْ عَمٍّ (إجَابَةُ) بِالرَّفْعِ (مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ) الْبَالِغَةِ إنْ دَعَتْ إلَى كُفْءٍ تَحْصِينًا لَهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ أَثِمَ كَالْقَاضِي أَوْ الشَّاهِدِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَوْ الشَّهَادَةُ وَامْتَنَعَ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِتَزْوِيجِ الْحَاكِمِ (فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) غَيْرُ الْمُجْبِرِ (كَإِخْوَةٍ) أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ (فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ) التَّزْوِيجَ (لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ) إلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ فَلَا يَعْفُوهَا، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِإِمْكَانِهِ بِغَيْرِهِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الشُّهُودِ إذَا طُلِبَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَقَضِيَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ عَاضِلًا فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يُزَوِّجُ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ آخَرَ فِي دَرَجَةِ الْمُمْتَنِعِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ هُنَا بِإِذْنِهِمْ، وَيَنْبَغِي ضَبْطُ مُدَّةُ الْمُرَاجَعَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. ا هـ. وَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِلرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ إنَّمَا يُزَوِّجُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْجَمِيعِ وَتَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ الْعَضْلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ.
المتن: وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ بِرِضَاهُمْ فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ، فَلَوْ زَوَّجَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ زَيْدًا وَآخَرُ عَمْرًا، فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ فَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ فَبَاطِلَانِ، وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ حُلِّفَتْ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَسَمَاعُ دَعْوَى الْآخَرِ، وَتَحْلِيفُهَا لَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: هَذَا لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو إنْ قُلْنَا نَعَمْ، فَنَعَمْ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ) مِنْ النَّسَبِ (فِي دَرَجَةٍ) وَرُتْبَةٍ كَإِخْوَةٍ أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ أَعْمَامٍ كَذَلِكَ وَأَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ قَالَتْ: أَذِنْت فِي فُلَانٍ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُزَوِّجْنِي مِنْهُ (اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ) بِبَابِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِشَرَائِطِهِ وَبَعْدَهُ أَوْرَعُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ وَأَحْرَصُ عَلَى طَلَبِ الْحَظِّ (وَ) بَعْدَهُ (أَسَنُّهُمْ) لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ (بِرِضَاهُمْ) أَيْ رِضَا الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ لِلْمَصْلَحَةِ لِتَجْتَمِعَ الْآرَاءُ وَلَا يَتَشَوَّشُ بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْثَارِ بَعْضٍ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْمَفْضُولُ بِرِضَاهَا بِكُفْءٍ صَحَّ وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْبَاقِينَ أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَجْتَمِعُوا، وَلَوْ عَيَّنَتْ بَعْدَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ وَاحِدًا لَمْ يَنْعَزِلْ الْبَاقُونَ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ لَمْ يُزَوِّجْ غَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَتْ: زَوِّجُونِي اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْأَصَحِّ، أَمَّا أَوْلِيَاءُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ بِوَكَالَةٍ، نَعَمْ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ كَالْأَقَارِبِ (فَإِنْ تَشَاحُّوا) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ: أَنَا أُزَوِّجُ وَلَمْ يَرْضَوْا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَاتَّحَدَ الْخَاطِبُ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ وُجُوبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ زَوَّجَ وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ، أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْخَاطِبُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْجَمِيعِ أَمَرَ الْقَاضِي بِتَزْوِيجِهَا مِنْ الْأَصْلَحِ لَهَا مِنْهُمْ أَيْ بَعْدَ تَعْيِينِهِ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْقُضَاةِ عَلَى أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمْ بِتَزْوِيجِهَا فَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يُزَوِّجُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الِانْفِرَادِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ فَلْيُبَادِرْ إلَى التَّصَرُّفِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ، وَأَطْلَقَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّ الَّذِي يُقْرِعُ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ السُّلْطَانُ. وَقَالَ ابْنُ دَاوُد: يُنْدَبُ أَنْ يُقْرِعَ السُّلْطَانُ، فَإِنْ أَقْرَعَ غَيْرُهُ جَازَ وَهَذَا أَوْجَهُ (فَلَوْ زَوَّجَ) هَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ (غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ) أَنْ يُزَوِّجَهَا (صَحَّ) تَزْوِيجُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْإِذْنِ فِيهِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِيَكُونَ لِلْقُرْعَةِ فَائِدَةٌ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا قَطْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ لَا سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ لَمْ تَخْرُجْ لَهُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لِأَحَدِهِمْ مَا لَوْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَزَوَّجَ مَعَ التَّنَازُعِ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُمَيِّزُ حَقَّ الْوِلَايَةِ بِغَيْرِهِ، وَبِقَوْلِهِ: وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا لَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ فَزَوَّجَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا كَمَا مَرَّ (وَلَوْ) أَذِنَتْ لَهُمْ فِي التَّزْوِيجِ وَ (زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ) أَيْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ (زَيْدًا) وَهُوَ كُفْءٌ (وَآخَرُ عَمْرًا) كَذَلِكَ أَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ زَيْدٍ، وَالْآخَرُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ عَمْرٍو فَزَوَّجَاهَا أَوْ وَكَّلَ الْمُجْبِرُ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِزَيْدٍ، وَالْوَكِيلُ عَمْرًا أَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فَزَوَّجَاهَا مِنْ كُفْأَيْنِ، فَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ، شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ تَصَادُقٍ مُعْتَبَرٍ (فَهُوَ الصَّحِيحُ) وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الْمَسْبُوقُ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ وَقَعَا) أَيْ التَّزْوِيجَانِ (مَعًا) وَتَعَدَّدَ الْخَاطِبُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ) فِيهِمَا (فَبَاطِلَانِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْتَنِعٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُهُمَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُمَا إنْ وَقَعَا مَعًا تَدَافَعَا أَوْ مُرَتَّبًا فَلَا اطِّلَاعَ عَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ إمْضَاءُ الْعَقْدِ لَغَا، إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ، فَإِنْ اتَّحَدَ الْخَاطِبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِأَنْ أَوْجَبَ كُلٌّ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ لَهُ مَعًا صَحَّ وَيُقْبَلُ كُلٌّ مِنْ الْإِيجَابَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي: فَسَخْت السَّابِقَ مِنْهُمَا أَوْ يَأْمُرُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا بِالتَّطْلِيقِ لِيَكُونَ نِكَاحُهَا بَعْدُ عَلَى يَقِينِ الصِّحَّةِ، وَيُثْبِتُ لِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ. قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي رَابِعِهَا بِقَوْلِهِ (وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: التَّزْوِيجَيْنِ (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ) بِأَنْ آيِسَ مِنْ تَعْيِينِهِ وَلَمْ تُرْجَ مَعْرِفَتُهُ فَبَاطِلَانِ أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) أَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي مَخْرَجٌ مِنْ نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمُعَتَيْنِ: أَنَّهُ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فَإِنْ رُجِيَ مَعْرِفَتُهُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النِّكَاحَيْنِ يَبْطُلَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِيمَا إذَا عُلِمَ السَّبْقُ دُونَ السَّابِقِ وَعِنْدَ جَهْلِ السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْأَصَحُّ إنْ جَرَى فَسْخٌ مِنْ الْحَاكِمِ فُسِخَ بَاطِنًا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْعِوَضُ عَادَ إلَيْهَا الْمُعَوَّضُ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخِ الْحَاكِمِ مِلْكًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، ثُمَّ شَرَعَ فِي خَامِسِهَا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ) بِالْآخَرِ (وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ) السَّابِقُ لِجَوَازِ التَّذَكُّرِ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ فَيَمْتَنِعَانِ مِنْهَا، فَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَلَا تَنْكِحُ غَيْرَهُمَا إلَّا بِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُمَا بِأَنْ يُطَلِّقَاهَا أَوْ يَمُوتَا أَوْ يُطَلِّقَهَا أَحَدُهُمَا وَيَمُوتَ الْآخَرُ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ مَوْتِ آخِرِهِمَا، وَلَا يُبَالَى بِطُولِ ضَرَرِهَا كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ، وَاَلَّذِي انْقَطَعَ دَمُهَا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ مَعَ الضَّرَرِ، وَلَهَا طَلَبُ فَسْخِ نِكَاحِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَضَرُّرِهَا بِسَبَبِ التَّوَقُّفِ لِلْإِشْكَالِ كَالْعَيْبِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَا كُفْأَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ كُفْأَيْنِ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ أَوْ أَحَدُهُمَا كُفْئًا فَنِكَاحُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ تَأَخَّرَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرْضَوْا بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فَمَاتَ فِي مُدَّتِهِ أَحَدُهُمَا وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ مِيرَاثُ زَوْجَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَإِلَّا فَحِصَّتُهَا مِنْ الرُّبْعِ أَوْ الثُّمُنِ أَوْ مَاتَتْ هِيَ وُقِفَ مِيرَاثُ زَوْجٍ إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ، وَلَا يُطَالِبُ أَحَدُهُمَا بِالْمَهْرِ لِلْإِشْكَالِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْزَامِ مَهْرَيْنِ وَلَا إلَى قِسْمَةِ مَهْرٍ عَلَيْهِمَا، وَفِي مُطَالَبَتِهَا بِالنَّفَقَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ لَا، لِعَدَمِ التَّمْكِينِ، وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ، وَحَبْسُهَا لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَعِنْدَ ابْنِ كَجٍّ وَغَيْرِهِ نَعَمْ لِصُورَةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ النُّشُوزِ مَعَ حَبْسِهَا، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ، وَعَلَى الْوُجُوبِ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَعَيَّنَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَقَدْ اتَّفَقَا لَمْ يَرْجِعْ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ إلَّا إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ، وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي، وَوَجَّهَهُ شَيْخِي بِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ، وَاللَّازِمُ لِلشَّخْصِ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ عِنْدَ اعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِشْكَالِ (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ) مِنْهُمَا عَلَيْهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَكُلٌّ كُفْءٌ كَمَا مَرَّ أَوْ عِنْدَ إسْقَاطِ الْكَفَاءَةِ (عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ) أَيْ سَبْقِ نِكَاحِهِ مُعَيَّنًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ حَقَّاهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا لَمْ تُسْمَعْ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِسَبْقِهِ: أَيْ سَبْقِ نِكَاحِهِ مَا إذَا ادَّعَيَا عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ سَبْقَ أَحَدِ النِّكَاحَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ أَيْضًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّعِي. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُسْمَعُ لِلْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ أَيْ عَلَيْهَا كَمَا قَدَّرْته، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَيُفْهِمُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ عِلْمَهَا، وَخَرَجَ بِهِ دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، فَلَيْسَ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ، وَذِكْرُ الْحُرَّةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالزَّوْجَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا الدَّعْوَى عَلَى الْوَلِيِّ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ مُجْبِرًا سُمِعَتْ، وَيَحْلِفُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ، ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي مِنْهُمَا تَحْلِيفُ الثَّيِّبِ أَيْضًا بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهَا، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَثَبَتَ نِكَاحُهُ، وَكَذَا إنْ أَقَرَّتْ لَهُ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا حَلِفُ الْوَلِيِّ (فَإِنْ أَنْكَرَتْ) عِلْمَهَا بِهِ (حُلِّفَتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهَا يَمِينٌ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمَا قَالَهُ الْجُورِيُّ عَنْ النَّصِّ. وَأَمَّا إقْرَارُ الْخَرْسَاءِ فَسَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءِ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينٌ وَإِنْ رَضِيَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ حَلَّفَهَا الْحَاضِرُ فَهَلْ لِلْغَائِبِ تَحْلِيفُهَا لِتَمَيُّزِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ وَاحِدَةٌ، وَجْهَانِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرْجِيحِ مَا مَرَّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا حَلَفَتْ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ وَلَا تَارِيخَ الْعَقْدَيْنِ، فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ تَعَيَّنَ الْحَلِفُ لِلثَّانِي وَأَجْرَى هَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ خَصْمَيْنِ يَدَّعِيَانِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَإِذَا حَلَفَتْ لَهُمَا بَقِيَ الْإِشْكَالُ، وَفِي بَقَاءِ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ كَمَا حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَرَّحَ كَغَيْرِهِ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ النِّكَاحَيْنِ، وَثَانِيهِمَا: نَعَمْ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا حَلَفَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي جَرَيَانَ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ رَبْطِ الدَّعْوَى بِهَا، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ، فَإِنْ رَدَّتْ عَلَيْهِمَا الْيَمِينَ فَحَلَفَا أَوْ نَكَلَا بَقِيَ الْإِشْكَالُ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنْ يُقَالَ: فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا كَمَا لَوْ اعْتَرَفَا بِالْإِشْكَالِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبَهْجَةِ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ نِكَاحُهُ، وَيَحْلِفَانِ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّهُمَا يَحْلِفَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ (وَ) عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا (إنْ أَقَرَّتْ) بِالسَّبْقِ (لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ) مِنْهَا بِإِقْرَارِهَا، وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْخَرْسَاءِ وَشَبَهِهَا بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ بِسَبْقِ نِكَاحِ أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَالْحَالُ حَالُ الْإِشْكَالِ (وَ) أَمَّا (سَمَاعُ دَعْوَى) الزَّوْجِ (الْآخَرِ) عَلَيْهَا (وَتَحْلِيفُهَا لَهُ) فَإِنَّهُ (يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ) السَّابِقَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ (فِيمَنْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ (قَالَ) فِي إقْرَارِهِ (هَذَا) الْمَالُ (لِزَيْدٍ) لَا (بَلْ) هُوَ (لِعَمْرٍو، هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو) وَهُوَ مَنْ وَضَعَ الْمُظْهَرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ (إنْ قُلْنَا نَعَمْ) أَيْ يَغْرَمُ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ هُنَاكَ (فَنَعَمْ) أَيْ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَلَهُ التَّحْلِيفُ رَجَاءَ أَنْ تُقِرَّ فَيُغَرِّمُهَا مَهْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزَّوْجِيَّةُ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ غَرِمَتْ لَهُ مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا غُرْمَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَقَرَّتْ لَهُمَا مَعًا فَهُوَ لَغْوٌ. فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَسْبِقْ نِكَاحَك إقْرَارٌ مِنْهَا لِلْآخَرِ إنْ اعْتَرَفَتْ قَبْلَهُ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَا مَعًا، فَلَا تَكُونُ مُقِرَّةً بِسَبْقِ الْعَقْدِ الْآخَرِ. ثَانِيهُمَا: إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسَّبْقِ وَلَا لِعِلْمِهَا بِهِ وَادَّعَيَا عَلَيْهَا الزَّوْجِيَّةَ وَفَصَّلَا الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لَزِمَهَا الْحَلِفُ الْجَازِمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ تَحْلِفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، وَلَا يَكْفِيهَا الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ، وَيَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إنْ لَمْ تَعْلَمْ سَبْقَهُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ يُجَوِّزُ لَهَا الْحَلِفَ الْجَازِمَ. .
المتن: وَلَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الْجَدُّ عَنْ الْأَبِ، فَقَالَ: (وَلَوْ تَوَلَّى) جَدٌّ (طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ كَالْبَيْعِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْإِنْسَانِ مَعَ نَفْسِهِ لَا يَنْتَظِمُ، وَلِخَبَرِ: {كُلُّ نِكَاحٍ لَا يَحْضُرُهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. تَنْبِيهٌ: : لِلْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ أَبُو الْوَلَدِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ابْنُ الِابْنِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ بِنْتُ الِابْنِ بِكْرًا أَوْ مَجْنُونَةً، فَاسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ مُجْبِرًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَا يَجُوزُ فِي بِنْتِ ابْنِهِ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى. وَقِيلَ: يَكْفِي الْإِيجَابُ، وَشَرَطَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَابْنُ مَعِينٍ فِي التَّنْقِيبِ أَنْ يَقُولَ وَقَبِلْت بِالْوَاوِ نِكَاحَهَا، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَصِحَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. ا هـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي رَأْيٌ مَرْجُوحٌ. . فُرُوعٌ: مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إلَّا الْحَاكِمُ إذَا زَوَّجَهَا لِمَجْنُونٍ وَنَصَبَ مَنْ يَقْبَلُ وَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَزْوِيجَ مَجْنُونَةٍ بِمَجْنُونٍ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَلَا يُحْتَمَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ غَيْرُهُ، وَلِلْعَمِّ تَزْوِيجُ بِنْتِ أَخِيهِ بِابْنِهِ الْبَالِغِ، وَلِابْنِ الْعَمِّ تَزْوِيجُ بِنْتِ عَمِّهِ بِابْنِهِ الْبَالِغِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا بِابْنِهِ الطِّفْلِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ الْجُدُودَةِ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الصَّبْرُ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَيُقْبَلُ بَلْ يَقْبَلُ لَهُ أَبُوهُ وَالْحَاكِمُ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ كَالْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ، وَلَوْ تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي تَزْوِيجِ عَبْدِهِ بِأَمَتِهِ إنْ قِيلَ لَهُ إجْبَارُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
المتن: وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ نَفْسَهُ بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ فِي دَرَجَتِهِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْقَاضِي، فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي، نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ خَلِيفَتُهُ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكَّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ) وَنَحْوُهُ كَمُعْتِقٍ وَعَصَبَتِهِ (نَفْسَهُ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ) لَهُ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ (فِي دَرَجَتِهِ) بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهَا، فَإِذَا كَانَ ابْنُ الْعَمِّ شَقِيقًا وَلَهُ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا شَقِيقٌ وَالْآخَرُ لِأَبٍ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْأَوَّلُ، هَذَا إنْ وُجِدَ (فَإِنْ فُقِدَ) مَنْ فِي دَرَجَتِهِ حِسًّا أَوْ حُكْمًا كَأَنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ شَقِيقًا وَمَعَهُ آخَرُ لِأَبٍ (فَالْقَاضِي) أَيْ قَاضِي بَلَدِهَا لَا قَاضِي بَلَدِهِ يُزَوِّجُهُ فِي الْأَصَحِّ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ، وَلَوْ قَالَتْ لِابْنِ عَمِّهَا أَوْ لِمُعْتَقِهَا: زَوِّجْنِي مِنْ نَفْسِك زَوَّجَهُ الْقَاضِي بِهَذَا الْإِذْنِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لَا إنْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت أَوْ زَوِّجْنِي (فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) مُخْتَصًّا بِهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَلِّيهِ بِقَبُولِهِ لَهُ (زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ) كَالسُّلْطَانِ أَوْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ (مِنْ الْوُلَاةِ) فِي بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي عَمَلِ ذَلِكَ الْقَاضِي (أَوْ خَلِيفَتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَهُ نَافِذٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ نُقِلَ عَنْ ابْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، وَفَعَلَهُ حِينَ كَانَ قَاضِيًا بِدِمَشْقَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَزْوِيجِ الْقَاضِي الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَمَحْجُورَهُ فَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ كَمَا يُزَوَّجُ خَلِيفَةُ الْقَاضِي مِنْ الْقَاضِي (وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ) غَيْرِ الْجَدِّ (تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا) وَيَتَوَلَّى الطَّرَفُ الْآخَرِ (أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا) أَيْ وَاحِدٍ فِي الْإِيجَابِ وَآخَرَ فِي الْقَبُولِ فَيَتَوَلَّيَاهُ لَمْ يَجُزْ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ خَلِيفَةِ الْقَاضِي لَهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوِلَايَةِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِانْعِقَادِهِ بِأَرْبَعَةٍ تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ الْجَدَّ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُ تَعَاطِيَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ فِعْلِ الشَّخْصِ لِشَيْءٍ جَوَازُ تَوْكِيلِهِ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ صَحَّ.
المتن: زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ صَحَّ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ، وَلَهُمْ الْفَسْخُ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَفِي الْأَظْهَرِ بَاطِلٌ، وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ، وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ، وَلِلصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ، وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّكَاحِ دَفْعًا لِلْعَارِ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، بَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ فَلَهُمَا إسْقَاطُهَا، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا (زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ) الْمُنْفَرِدُ كَأَبٍ أَوْ عَمٍّ (غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ) زَوَّجَهَا (بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ) كَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ (بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ) مِمَّنْ فِي دَرَجَتِهِ غَيْرَ كُفْءٍ (صَحَّ) التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّهَا وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ لَهُ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ بَنَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا أَحَدَ يُكَافِئُهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ جَازَ لِلضَّرُورَةِ لِأَجْلِ نَسْلِهِنَّ وَمَا حَصَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ كَمَا جَازَ لِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزْوِيجُ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ. ا هـ. {وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهِيَ هَالَةُ كَانَتْ تَحْتَ بِلَالٍ، وَهُوَ مَوْلًى لِلصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّ الْمِقْدَادَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَزَوَّجَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ قُرَشِيَّةً " وَالْمِقْدَادُ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وَفِيهِمَا أَيْضًا: " أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ زَوَّجَ سَالِمًا مَوْلَاهُ لِابْنَةِ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ". فَإِنْ قِيلَ: مَوَالِي قُرَيْشٍ أَكْفَاءٌ لَهُمْ. أُجِيب بِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْمَنْعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ بِرِضَاهَا مَا إذَا كَانَتْ مُجْبَرَةً وَاسْتُؤْذِنَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّشِيدَةُ وَالسَّفِيهَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ، فَإِذَا رَضِيَتْ السَّفِيهَةُ بِغَيْرِ كُفْءٍ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا هُوَ الْمَالُ خَاصَّةً فَلَا يَظْهَرُ لِسَفَهِهَا أَثَرٌ هُنَا، وَاسْتَثْنَى شَارِحُ التَّعْجِيزِ كَفَاءَةَ الْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ بِالرِّضَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَيُكْرَهُ التَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ الْفَاسِقِ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ مِنْ فَاحِشَةٍ أَوْ رِيبَةٍ، وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَوِينَ مِنْ زِيَادَةِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَبْعَدَ لَا يَكُونُ وَلِيًّا مَعَ الْأَقْرَبِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ) غَيْرَ كُفْءٍ (بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ)؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ الْآنَ فِي التَّزْوِيجِ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَوْ قِيلَ: إنَّهُ وَلِيٌّ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ إلَّا أَنَّ الْأَقْرَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَبْعُدْ، وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْمُسْتَوِينَ لِيَخْرُجَ الْأَبْعَدُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَبْعَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ لَكِنَّهُ يَلْحَقُهُ عَارٌ لِنَسَبِهِ فَلِمَ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَنْتَشِرُ كَثِيرًا فَيَشُقُّ اعْتِبَارُ رِضَاهُمْ، وَلَا ضَابِطَ يُوقَفُ عِنْدَهُ، فَالْوَجْهُ قَصْرُهُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ (وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ (بِهِ) أَيْ غَيْرِ الْكُفْءِ (بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ) أَيْ بَاقِي الْمُسْتَوِينَ (لَمْ يَصِحَّ) التَّزْوِيجُ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُمْ كَرِضَا الْمَرْأَةِ. تَنْبِيهٌ: : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا بِمَنْ بِهِ جَبٌّ أَوْ عُنَّةٌ بِرِضَاهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْبَاقِينَ بِذَلِكَ، وَمَا لَوْ رَضُوا بِتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ خَالَفَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَا الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِرِضَاهُمْ بِهِ أَوَّلًا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَفِي مَعْنَى الْمُخْتَلِعِ الْفَاسِخُ وَالْمُطَلِّقُ رَجْعِيًّا إذَا أَعَادَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُطَلِّقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَفِي قَوْلٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ (يَصِحُّ وَلَهُمْ الْفَسْخُ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَقْتَضِي الْخِيَارَ لَا الْبُطْلَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا (وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ) أَوْ الْجَدِّ (بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ) وَقَوْلُهُ (بِغَيْرِ رِضَاهَا) قَيْدٌ فِي الْبَالِغَةِ (فَفِي الْأَظْهَرِ) التَّزْوِيجُ الْمَذْكُورُ (بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْغِبْطَةِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ الْغِبْطَةِ فَوَلِيُّ الْبُضْعِ أَوْلَى (وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ، وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ) فِي الْحَالِ (وَلِلصَّغِيرَةِ) أَيْضًا (إذَا بَلَغَتْ) كَمَا مَرَّ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَزْوِيجِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ إذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا (وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) خَاصًّا (أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ (بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ) تَزْوِيجُهُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ حَظٌّ فِي الْكَفَاءَةِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَالْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ شَاهِدٌ لَهُ وَلَا وَجْهٌ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ لِذَلِكَ خَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ السَّابِقُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَهَا أُسَامَةَ بَلْ أَشَارَ عَلَيْهَا بِهِ وَلَا يَدْرِي مَنْ زَوَّجَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ بِرِضَاهَا، وَلَوْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَلَكِنْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ عَضْلِهِ أَوْ إحْرَامِهِ فَلَا تُزَوَّجُ إلَّا مِنْ كُفْءٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا وَفِيهِ مَانِعٌ مِنْ فِسْقٍ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ بَعْدَهُ إلَّا السُّلْطَانُ فَزَوَّجَ السُّلْطَانُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٌ بِرِضَاهَا فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ.
المتن: وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ: سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ وَحُرِّيَّةٌ، فَالرَّقِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ، وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَنَسَبٌ، فَالْعَجَمِيُّ لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ، وَلَا غَيْرُ قُرَشِيٍّ قُرَشِيَّةً، وَلَا غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ لَهُمَا، وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ، وَعِفَّةٌ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ، وَحِرْفَةٌ فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ، لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ، وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ، وَلَا هُمَا بِنْتَ عَالِمٍ وَقَاضٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ، وَأَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً، وَكَذَا مَعِيبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَجُوزُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: وَلَمَّا اعْتَبَرَ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ، وَهِيَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزَةُ لُغَةً: التَّسَاوِي وَالتَّعَادُلُ، وَشَرْعًا أَمْرٌ يُوجِبُ عَدَمُهُ عَارًا شَرَعَ فِي بَيَانِهَا، فَقَالَ: (وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ) أَيْ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهَا لِيُعْتَبَرَ مِثْلُهَا فِي الزَّوْجِ خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا (سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ) فِي النِّكَاحِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ، فَمَنْ بِهِ بَعْضُهَا كَجُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسَّلِيمَةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ مَنْ بِهِ بَعْضُهَا وَيَخْتَلُّ بِهَا مَقْصُودُ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ بِهَا عَيْبٌ أَيْضًا فَلَا كَفَاءَةَ اخْتَلَفَ الْعَيْبَانِ كَرَتْقَاءَ وَمَجْبُوبٍ أَوْ اتَّفَقَا كَأَبْرَصَ وَبَرْصَاءَ وَإِنْ كَانَ مَا بِهَا أَكْثَرُ وَأَفْحَشُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُهُ مِنْ نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْعُنَّةَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهَا فِي الْكَفَاءَةِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحَقُّقِ، وَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلِيِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ لَا الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ، وَأَلْحَقَ الرُّويَانِيُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْعُيُوبَ الْمُنْفَرِدَةَ كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهُ الصُّورَةِ، وَقَالَ: هِيَ تَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ عِنْدِي، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالتَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ خَاصَّةً دُونَ آبَائِهِمَا فَابْنُ الْأَبْرَصِ كُفْءٌ لِمَنْ أَبُوهَا سَلِيمٌ. ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْإِشْرَافِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْئًا لَهَا لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ (وَ) ثَانِيهَا (حُرِّيَّةٌ فَالرَّقِيقُ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ مُكَاتَبًا (لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ) وَلَوْ عَتِيقَةً لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ وَتَتَضَرَّرُ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ، وَلِهَذَا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ لَمَّا عَتَقَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا وَكَانَ عَبْدًا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ كُفْئًا لِمُبَعَّضَةٍ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الذَّخَائِرِ، وَهَلْ الْمُبَعَّضُ كُفْءٌ لَهَا؟. قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنْ اسْتَوَيَا أَوْ زَادَتْ حُرِّيَّتُهُ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا (وَالْعَتِيقُ) كُفْءٌ لِعَتِيقَةٍ وَ (لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ) لِنَقْصِهِ عَنْهَا، وَلَيْسَ مَنْ مَسَّ الرِّقُّ أَحَدَ آبَائِهِ أَوْ أَبًا أَقْرَبَ كُفْئًا لِخِلَافِهِ، وَالرِّقُّ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّأْثِيرِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْعَتِيقِ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ لَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ عُرْفٌ وَلَا دَلِيلٌ فَيَبْقَى التَّوَقُّفُ فِيهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ مَنْ مَسَّهُ الرِّقُّ أَوْ مَسَّ أَحَدَ آبَائِهِ أَمِيرًا كَبِيرًا أَوْ مَلِكًا كَبِيرًا وَالْمَرْأَةُ دُونَهُ بِكَثِيرٍ بِحَيْثُ تَفْتَخِرُ بِهِ وَهِيَ حُرَّةُ الْأَصْلِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَ) ثَالِثُهَا (نَسَبٌ) بِأَنْ تُنْسَبَ الْمَرْأَةُ إلَى مَنْ تَشْرُفُ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ يُنْسَبُ الزَّوْجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْتَخِرُ بِأَنْسَابِهَا أَتَمَّ الِافْتِخَارِ وَالِاعْتِبَارُ فِي النَّسَبِ بِالْآبَاءِ (فَالْعَجَمِيُّ) أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً (لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ) أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا أَعْجَمِيَّةً، لِأَنَّ اللَّهَ اصْطَفَى الْعَرَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ (وَلَا) أَيْ وَلَيْسَ (غَيْرُ قُرَشِيِّ) مِنْ الْعَرَبِ مُكَافِئًا (قُرَشِيَّةً) لِخَبَرِ: {قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا} رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا (وَلَا) أَيْ وَلَيْسَ (غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ) كُفْئًا (لَهُمَا) كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ لِهَاشِمٍ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: {إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ الْعَرَبِ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ}. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُطَّلِبِيَّ كُفْءٌ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَعَكْسُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: {نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ}، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ شَرِيفَةً. أَمَّا الشَّرِيفَةُ فَلَا يُكَافِئُهَا إلَّا شَرِيفٌ، وَالشَّرَفُ مُخْتَصٌّ بِأَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَعَنْ أَبَوَيْهِمَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ ظَهِيرَةَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ، فَلَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ أَمَةً فَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ أُمِّهَا فَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ، فَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ بِأَنَّهُمْ أَكْفَاءُ، وَالْبَغْدَادِيُّونَ يَقُولُونَ بِالتَّفَاضُلِ فَتَفْضُلُ مُضَرُ عَلَى رَبِيعَةَ، وَعَدْنَانُ عَلَى قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَوْجَهُ؛ إذْ أَقَلُّ مَرَاتِبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونُوا كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَالْعَجَمِ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْحَضَرِ فَمَنْ ضَبَطَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ فَكَالْعَرَبِ وَإِلَّا فَكَالْعَجَمِ (وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ) الشَّرَفِ (النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ) قِيَاسًا عَلَيْهِمْ، فَالْفُرْسُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: {لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ} وَبَنُو إسْرَائِيلَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِسَلَفِهِمْ وَكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَنُونَ بِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَلَا يُدَوِّنُونَهَا بِخِلَافِ الْعَرَبِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنًى وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَثَرَ لِلْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً، وَلَا يُكَافِئُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ الْأَقْرَبِينَ أَقْدَمَ مِنْهُ فِي الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا ثَلَاثَةُ آبَاءٍ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِبَنَاتِ التَّابِعِينَ، وَهَذَا زَلَلٌ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لَهُنَّ، وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْآبَاءِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ غَيْرِ الشَّرِيفِ أَفْضَلَ مِنْ ابْنِ الشَّرِيفِ، وَلَيْسَ كُفْئًا لَهُ (وَ) رَابِعُهَا (عِفَّةٌ) وَهِيَ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَالْكَفُّ عَمَّا لَا يَحِلُّ (فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ) لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً} الْآيَةَ، هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأُولَى فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، وَالثَّانِيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَالْمُبْتَدِعُ مَعَ السُّنِّيَّةِ كَالْفَاسِقِ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ. تَنْبِيهٌ: : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أُمُورًا: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْكَافِرُ الْفَاسِقُ فِي دِينِهِ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ فِي دِينِهَا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. ثَانِيهَا: أَنَّ الْفَاسِقَ كُفْءٌ لِلْفَاسِقَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدَ زِيَادَةِ الْفِسْقِ وَاخْتِلَافِ نَوْعِهِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا فِي الْعُيُوبِ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِسْقَ بِالْقَتْلِ وَالسُّكْرِ لَيْسَ فِي تَعَدِّي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّفْرَةِ كَالْعُقُوقِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. ثَالِثُهَا: أَنَّ غَيْرَ الْفَاسِقِ كُفْءٌ لَهَا سَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَسْتُورُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ. رَابِعُهَا: أَنَّ الْفِسْقَ وَالْعَفَافَ يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ لَا فِي آبَائِهِمَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (وَ) خَامِسُهَا (حِرْفَةٌ) وَهِيَ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي فَائِقِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ: صِنَاعَةٌ يُرْتَزَقُ مِنْهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا (فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ) بِالْهَمْزَةِ مِنْ الدَّنَاءَةِ، وَضَبَطَهَا الْإِمَامُ بِمَا دَلَّتْ مُلَابَسَتُهَا عَلَى انْحِطَاطِ الْمُرُوءَةِ وَسُقُوطِ النَّفْسِ كَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ (لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ) وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} أَيْ فِي سَبَبِهِ فَبَعْضُهُمْ يَصِلُ إلَيْهِ بِعِزٍّ وَرَاحَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِذُلٍّ وَمَشَقَّةٍ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانُوا حَاكَةً وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ (فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ) وَنَحْوُهُمْ كَحَائِكٍ (لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْفَاءٌ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ) بِنْتَ (بَزَّازٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كُفْءٌ لِلْآخَرِ وَلَمْ أَرَ أَيْضًا مَنْ ذَكَرَهُ (وَلَا هُمَا) أَيْ التَّاجِرُ وَالْبَزَّازُ (بِنْتَ عَالِمٍ وَ) بِنْتَ (قَاضٍ) نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مَنْ أَبُوهَا بَزَّازٌ أَوْ عَطَّارٌ لَا يُكَافِئُهَا مَنْ أَبُوهُ حَجَّامٌ أَوْ بَيْطَارٌ أَوْ دَبَّاغٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِذَا نَظَرْت إلَى حِرْفَةِ الْأَبِ فَقِيَاسُهُ النَّظَرُ إلَى حِرْفَةِ الْأُمِّ أَيْضًا، فَإِنَّ ابْنَ الْمُغَنِّيَةِ أَوْ الْحَمَّامِيَّةِ وَنَحْوِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفْئًا لِمَنْ لَيْسَتْ أُمُّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْعُرْفِ وَعَارٌ. ا هـ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ النَّظَرِ إلَى الْأُمِّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ تُرَاعَى الْعَادَةُ فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ، فَإِنَّ الزِّرَاعَةَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْعَكْسِ. ا هـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَحْوَهُ أَيْضًا، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَخْذُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبْرَةُ بِالْعَالِمِ الصَّالِحِ أَوْ الْمَسْتُورِ دُونَ الْفَاسِقِ. وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ أَهْلًا فَعَالِمٌ وَزِيَادَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ كَمَا هُوَ كَثِيرٌ وَغَالِبٌ فِي الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَفِي النَّظَرِ إلَيْهِ نَظَرٌ. ا هـ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَوَقَّفَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَإِذَا شُكَّ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ أَوْ الشَّرِيفِ وَالْأَشْرَفِ، أَوْ الدَّنِيءِ وَالْأَدْنَى، فَالْمَرْجِعُ عَادَةُ الْبَلَدِ، وَالْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ وَالْفِسْقُ فِي الْآبَاءِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَالُ مَنْ كَانَ أَبُوهُ صَاحِبَ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ أَوْ مَشْهُورًا بِالْفِسْقِ مَعَ مَنْ أَبُوهَا عَدْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مَعَ مَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْحَقُّ أَنْ يُجْعَلَ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْآبَاءِ دِينًا وَسِيرَةً وَحِرْفَةً مِنْ خَيْرِ النَّسَبِ. فَإِنَّ تَفَاخُرَ الْآبَاءِ هِيَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا أَمْرُ النَّسَبِ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْهَرَوِيُّ فِي أَشْرَافِهِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمَا ذَكَرَ كَوَلَدِ الْأَبْرَصِ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَلَدِ الْأَبْرَصِ أَيْضًا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعَدُّ الرَّعْيُ مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ صِفَةَ مَدْحٍ لِغَيْرِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ فَقْدَ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُعْجِزَةٌ فَتَكُونُ صِفَةَ مَدْحٍ فِي حَقِّهِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ جَزْمًا. وَأَشَارَ لِمَا فِيهِ الْخِلَافُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ) فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ ظِلٌّ زَائِلٌ، وَحَالٌ حَائِلٌ، وَمَالٌ مَائِلٌ، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ. وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُنْفِقْ عَلَى الْوَلَدِ وَتَتَضَرَّرُ هِيَ بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ}. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَنَقْلًا وَبَسَطَ ذَلِكَ، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ بِالْإِجْبَارِ مُعْسِرًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَصِحَّ التَّزْوِيجُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْيَسَارِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا فَهُوَ كَتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا الْجَمَالُ وَالْبَلَدُ وَلَا السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ آخَرَ مُنَفِّرٍ كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهُ الصُّورَةِ، وَإِنْ اعْتَبَرَهَا الرُّويَانِيُّ، وَصَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَوْنَ الْجَاهِلِ كُفْئًا لِلْعَالِمَةِ، وَرَجَّحَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَرَدَّ عَلَى تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفُ يَرَى اعْتِبَارَ الْعِلْمِ فِي الْأَبِ فَاعْتِبَارُهُ فِي نَفْسِ الْمَرْأَةِ أَوْلَى. ا هـ. وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَ ابْنُ الْمُقْرِي مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ رَوْضِهِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ الْبُخْلُ وَالْكَرَمُ وَالطُّولُ وَالْقِصَرُ مُعْتَبَرًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيمَا إذَا أَفْرَطَ الْقِصَرُ فِي الرَّجُلِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ تُعَيَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ. ا هـ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: شَرَفُ النَّسَبِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ: إحْدَاهَا: الِانْتِهَاءُ إلَى شَجَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُعَادِلَهُ شَيْءٌ. الثَّانِيَةِ: الِانْتِمَاءُ إلَى الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، وَبِهِمْ رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. وَالثَّالِثَةُ: الِانْتِمَاءُ إلَى أَهْلِ الصَّلَاحِ الْمَشْهُورِ وَالتَّقْوَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} قَالَا: وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِسَابِ إلَى عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَالظَّلَمَةِ الْمُسْتَوْلِينَ عَلَى الرِّقَابِ، وَإِنْ تَفَاخَرَ النَّاسُ بِهِمْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَلَامُ النَّقَلَةِ لَا يُسَاعِدُهُمَا عَلَيْهِ فِي عُظَمَاءِ الدُّنْيَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَيْفُ لَا يُعْتَبَرُ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِمْرَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا أَنْ تَكُونَ كَالْحِرْفَةِ، وَذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لَا يُكَافِئُ النَّفِيسَةَ. فَرْعٌ: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ هَلْ هُوَ كُفْءٌ لِلرَّشِيدَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ غَالِبًا بِالْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجِ، فِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ خِصَالَ الْكَفَاءَةِ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: نَسَبٌ وَدِينٌ صَنْعَةٌ حُرِّيَّةٌ فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ (لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ) أَيْ لَا تُجْبَرُ نَقِيصَةٌ بِفَضِيلَةٍ فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ عَجَمِيَّةٌ بِرَقِيقٍ عَرَبِيٍّ، وَلَا سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ، وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَبْدٍ عَفِيفٍ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْأَبِ (تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً) لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْعَنَتِ الْمُعْتَبَرِ فِي نِكَاحِهَا بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِهَا بِشَرْطِهِ (وَكَذَا مَعِيبَةً) بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْبَرْصَاءِ لَا يُزَوِّجُهُ بِهَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ، وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ فِي تَزْوِيجِهِ الرَّتْقَاءَ وَالْقَرْنَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا فِي بُضْعٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ مَجْبُوبًا، وَإِنْ زُوِّجَ الْمَجْنُونُ، أَوْ الصَّغِيرُ عَجُوزًا، أَوْ عَمْيَاءَ، أَوْ قُطَعَاءَ، أَوْ الصَّغِيرَةُ بِهَرِمٍ، أَوْ أَعْمَى أَوْ أَقْطَعَ فَوَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوِّجُهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْكَفَاءَةِ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهَا إنَّمَا يُزَوِّجُهَا بِالْإِجْبَارِ مِنْ الْكُفْءِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ كُفْءٌ فَالْمَأْخَذُ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا مُخْتَلِفٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِهِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي شُرُوطِ الْإِجْبَارِ (وَيَجُوزُ) لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَ (مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ كَنَسَبٍ وَحِرْفَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعَيَّرُ بِافْتِرَاشِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ، نَعَمْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَدْ صَرَّحَا بِهِ أَوَّلَ الْخِيَارِ حَيْثُ قَالَا: وَلَوْ زُوِّجَ الصَّغِيرُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ وَصَحَّحْنَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ غِبْطَةٌ.
|